سورة الإسراء - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الإسراء)


        


{وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (28)}
{وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ} أي عن ذي القربى والمسكين وابن السبيل على ما هو الظاهر، وقيل عن السائلين مطلقًا، والإعراض في الأصل إظهار العرض أي الناحية فمعنى أعرض عنه ولى مبديًا عرضه، والمراد به هنا حقيقته على ما قيل بناءً على ما روي من أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا سئل شيئًا ليس عنده صرف وجهه الشريف وسكت فنزلت {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ} {ابتغاء رَحْمَةٍ مّن رَّبّكَ تَرْجُوهَا} والخطاب عام له صلى الله عليه وسلم ولغيره، والمراد بالرحمة على ما أخرج ابن جرير عن ابن عباس. ومجاهد. والضحاك الرزق، ونصب {ابتغاء} على أنه مفعول له.
قال في الكشف قد أقيم ابتغاء الرزق مقام فقدانه وفيه لطف فكان ذلك الإعراض لأجل السعي لهم وهو من وضع المسبب موضع السبب كما أوضحه في الكشاف، وقد يفسر الابتغاء بالانتظار ويجوز جعله في موضع الحال من ضمير {تُعْرِضَنَّ} أي مبتغيًا، وجعله حالًا من الضمير المجرور بعيد.
وجوز أن يكون الإعراض كناية عن عدم النفع وترك الإعطاء لأنه لازمه عرفًا والابتغاء مجازًا عن عدم الاستطاعة والتعلق أيضًا بالشرط وأيد ذلك بما أخرجه سعيد بن منصور. وابن المنذر عن عطاء الخراساني قال: جاء ناس من مزينة يستحملون رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنًا» ظنوا ذلك من غضب رسول الله عليه الصلاة والسلام عليهم فأنزل الله سبحانه: {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ} الآية وفسر الرحمة بالفىء لكن أنت تعلم إن هذا غير ظاهر بناءً على ما سمعت من أن هذه السورة مكية والآية المذكورة ليست من المستثنيات، وكأنه لهذا قيل: إن المعنى إن ثبت وتحقق في المستقبل أنك أعرضت عنهم في الماضي ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل إلخ والمراد سببية الثبوت للأمر بالقول فتأمل.
وجوز أن يتعلق {ابتغاء} بجواب الشرط أعني قوله تعالى: {فَقُل لَّهُمْ قَوْلًا مَّيْسُورًا} أي إما تعرضن عنهم فقل لهم ذلك ابتغاء رحمة من ربك، وقدم هذا الوجه على سائر الأوجه الزمخشري. واعترض بأن ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها في غير باب اما ويلحق بها. وأجيب بأنه ذكره على المذهب الكوفي المجوز للعمل مطلقًا أراد التعلق المعنوي فيضمر ما ينصبه ويجعل المذكور جاريًا مجرى التفسير، والإعراض على هذا على حقيقته، واحتمال كونه كناية مختص بتعلقه بالشرط على ما زعمه الطيبي والحق عدم الاختصاص كما لا يخفى.
وجملة {تَرْجُوهَا} على سائر الأوجه يحتمل أن تكون وصفًا لرحمة وأن تكون حالًا من الفاعل و{مِن رَبّكَ} متعلق بترجوها.
وجوز أن يكون صفة لرحمة، والميسور اسم مفعول من يسر الأمر بالبناء للمجهول مثل سعد الرجل ومعناه السهل أي فقل لهم قولًا سهلًا لينًا وعدهم وعدًا جميلًا، قال الحسن: أمر أن يقول لهم نعم وكرامة وليس عندنا اليوم فإن يأتنا شيء نعرف حقكم، وقيل الميسور مصدر وجعل صفة مبالغة أو بتقدير مضاف أي قولًا ذا ميسور أي يسر والمراد به القول المشتمل على الدعاء باليسر مثل أغناكم الله تعالى ويسر لكم، وفسره ابن زيد برزقنا الله تعالى وإياكم بارك الله تعالى فيكم.
وتعقب ذلك بأن الميسور معناه ذا يسر ولهذا وقع صفة لقول فأي ضرورة في أن يجعل مصدرًا ثم يؤول بذا ميسور، ودفع بأنه إذا أريد القول المشتمل على الدعاء لا يكون القول حينئذٍ ميسورًا بل ميسر لما أرادوه.
وميسور مصدرًا مما ثبت في اللغة من غير تكلف فجعله صفة مبالغة أو بتقدير مضاف له وجه وجيه وفيه تأمل.
والحق أن اعتباره مصدرًا خلاف الظاهر، وفي الآية على القول الأخير دلالة على أن الدعاء للسائل مما لا بأس به، وعن الإمام مالك رحمه الله تعالى أنه كان لا يرى أن يقال للسائل إذا لم يعط شيئًا: رزقك الله تعالى ونحوه قائلًا إن ذلك مما يثقل عليه ويكره سماعه، ولا ينبغي أن يذكر اسم الله تعالى لمن لا يهش له، ولعمري إنه مغزى بعيد، وأفاد بعضهم أن في الآية دليلًا على النهي عن الإعراض بالمعنى الأول فإن المعنى إن أردت الإعراض عنهم فقل لهم قولًا ميسورًا ولا تعرض له وجه وجيه لا يخفى على من له بصر حديد. واستشكل العز بن عبد السلام جعل {ابتغاء} من متعلقات الشرط بأنا مأمورون بالرد الجميل إن انتظرنا شيئًا يحصل لنا أو لم ننتظر. وأجاب بأن المراد بالقول الميسور الوعد بالعطاء فيكون مفاد الآية لا تعدوا إلا إذا كنتم على رجاء من حصول ما تعدون به فالتقييد بالابتغاء في غاية المناسبة للشرط لأنه لا يحسن الوعد عند عدم الرجاء لما أنه يؤدي إلى الإخلاف وهو كما ترى.


{وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (30)}
{وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ البسط} تمثيلان لمنع الشحيح وإسراف المبذر زجرًا لهما عنهما وحملا على ما بينهما من الاقتصاد والتوسط بين الإفراط والتفريط وذلك هو الجود الممدوح فخير الأمور أوساطها وأخرج أحمد وغيره عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما عال من اقتصد» وأخرج البيهقي عن ابن عمر قال قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: «الاقتصاد في النفقة نصف المعيشة» وفي رواية عن أنس مرفوعًا «التدبير نصف المعيشة والتودد نصف العقل والهم نصف الهرم وقلة العيال أحد اليسارين» وكان يقال حسن التدبير مع العفاف خير من الغنى مع الإسراف {فَتَقْعُدَ مَلُومًا} أي فتصير ملومًا عند الله تعالى وعند الناس {مَّحْسُورًا} نادمًا مغمومًا أو منقطعًا بك لا شيء عندك من حسرة السفر أعياه وأوقفه حتى انقطع عن رفقته، قال الراغب: يقال للمعي حاسر ومحصور أما الحاسر فتصور أنه قد حصر بنفسه قواه وأما المحسور فتصور أن التعب قد حسره وهذا بيان قبح الإسراف المفهوم من النهي الأخير، وبين في أثره لأن غائلة الإسراف في رخره وحيث كان قبح الشح المفهوم من النهي الأول مقارنًا له معلومًا من أول الأمر روعي ذلك في التصور بأقبح الصور ولم يسلك فيه مسلك ما بعده كذا قيل، وفي أثر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أخرجه عنه ابن جرير. وابن أبي حاتم ما يقتضيه، وقال بعض المحققين: الأولى: أن يكون ذلك بيانًا لقبح الأمرين ويعتبر التوزيع {فَتَقْعُدَ} منصوب في جواب النهيين والملوك راجع إلى قوله تعالى: {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ} كما قيل:
إن البخيل ملوم حيثما كانا ***
والمحسور راجع إلى قوله سبحانه: {وَلاَ تَبْسُطْهَا} وليس ببعيد. وفي الكشاف عن جابر «بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس إذ أتاه صبي فقال: إن أمي تستكسيك درعًا فقال: من ساعة إلى ساعة يظهر فعد إلينا فذهب إلى أمه فقالت: قل له إن أمي تستكسيك الدرع الذي عليك فدخل صلى الله عليه وسلم داره ونزع قميصه وأعطاه وقعد عريانًا وأذن بلال وانتظر فلم يخرج عليه الصلاة والسلام إلى الصلاة فنزلت» وأنت تعلم أنه يأبى هذا كون السورة مكية والآية ليست من المستثنيات ولعل الخبر لم يثبت فعن ولي الدين العراقي أنه لم يجده في شيء من كتب الحديث أي بهذا اللفظ وإلا فقد أخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال: «جاء غلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أمي تسألك كذا وكذا فقال: ما عندنا اليوم شيء قال: فتقول لك اكسني قميصك فخلع عليه الصلاة والسلام قميصه فدفعه إليه وجلس في البيت حاصرًا فنزلت» وأخرج ابن أبي حاتم عن المنهال ابن عمرو ونحوه وليس في شيء منهما حديث أذان بلال وما بعده، وقيل: إنه عليه الصلاة والسلام أعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل وعيينة بن حصن الفزاري فجاء عباس بن مرداس فأنشأ يقول:
أتجعل نهبي ونهب العبي *** د بين عيينة والأقرع
وما كان حصن ولا حابس *** يفوقان مرداس في مجمع
وما كنت دون امرء منهما *** ومن يخفض اليوم لم يرفع
فقال صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر اقطع لسانه عني أعطه مائة من الإبل وكانوا جميعًا من المؤلفة قلوبهم فنزلت، وفيه الآباء السابق كما لا يخفى، وكذا ما أخرجه سعيد بن منصور. وابن المنذر عن سيار أبي الحكم قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بز من العراق وكان معطاء كريمًا فقسمه بين الناس فبلغ ذلك قومًا من العرب فقالوا: نأتي النبي صلى الله عليه وسلم نسأله فوجدوه قد فرغ منه فأنزل الله تعالى الآية.
{إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ} تعليل لقوله سبحانه: {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ} [الإسراء: 28] إلخ كأنه قيل: إن أعرضت عنهم لفقد الرزق فقل لهم قولًا ميسورًا ولا تهتم لذلك فإن ذلك ليس لهو إن منك عليه تعالى بل لأن بيده جل وعلا مقاليد الرزق وهو سبحانه يوسعه على بعض ويضيقه على بعض حسا تتعلق به مشيئته التابعة للحكمة فما يعرض لك في بعض الأحيان من ضيق الحال الذي يحوجك إلى الإعراض ليس إلا لمصلحتك فيكون قوله تعالى: {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ} [الإسراء: 29] إلخ معترضًا تأكيدًا لمعنى ما تقتضيه حكمته عز وجل من القبض والبسط، وقوله تعالى: {أَنَّهُ} سبحانه: {كَانَ} لم يزل ولا يزال {بِعِبَادِهِ} جميعهم {خَبِيرًا} عالمًا بسرهم {بَصِيرًا} عالمًا بعلنهم فيعلم من مصالحهم ما يخفى عليهم تعليل لسابقه، وجوز أن يكون ذلك تعليلًا للأمر بالاقتصاد المستفاد من النهيين إما على معنى أن البسط والقبض أمران مختصان بالله تعالى وأما أنت فاقتصد واترك ما هو مختص به جل وعلا أو على معنى أنكم إذا تحققتم شأنه تعالى شأنه وأنه سبحانه ييبسط ويقبض وأمعنتم النظر في ذلك وجدتموه تعالى مقتصدًا فاقتصدوا أنتم واستنوا بسنته، وجعله بعضهم تعليلًا لجميع ما مر وفيه خفاء كما لا يخفى، وجوز كونه تعليلًا للنهي الأخير على معنى أنه تعالى يبسط ويقبض حسب مشيئته فلا تبسطوا على من قدر عليه رزقه وليس بشيء.


{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31) وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32)}
وجوز أيضًا كونه تمهيدًا لقوله سبحانه: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إملاق} واستبعد بأن الظاهر حينئذ فلا.
والإملاق الفقر كما روى عن ابن عباس وأنشد له قول الشاعر:
وإني على الإملاق يا قوم ماجد *** أعد لأضيافي الشواء المصهبا
وظاهر اللفظ النهي عن جميع أنواع قتل الأولاد ذكروا كانوا أو إناثًا مخافة الفقر والفارقة لكن روى أن من أهل الجاهلية من كان يئد البنات مخافة العجز عن النفقة عليهن فنهى في الآية عن ذلك فيكون المراد بالأولاد البنات وبالقتل الوأد، والخشية في الأصل خوف يشوبه تعظيم، قال الراغب: وأكثر ما يكون ذلك عن علم بما يخشى منه.
وقرى بكسر الخاء، والظاهر أن هذا النهي معطوف على ما تقدم من نظيره، وجوز الطبرسي أن يكون عطفه على قوله سبحانه: {أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ} [الإسراء: 23] وحينئذ فيحتمل أن يكون الفعل منصوبًا بأن كما في الفعل السابق.
{نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم} ضمان لرزقهم وتعليل للنهي المذكور بإبطال موجبه في زعمهم أي نحن نرزقهم لا أنتم فلا تخافوا الفقر بناء على علمكم بعجزهم عن تحصيل رزفهم، وتقديم ضمير الأولاد على ضمير المخاطبين على عكس ما وقع في سورة الأنعام للإشعار بأصالتهم في إفاضة الرزق، وعارض هذه النكتة هناك تقدم ما يستدعي الاعتناء بشأن المخاطبين من الآيات كذا قيل. وجوز المولى شيء الإسلام كون ذلك لأن الباعث على القتل هناك الإملاك الناجز ولذلك قيل {من إملاق} [الأنعام: 151] وههنا الإملاق المتوقع ولذلك قيل: خشية إملاق فكأنه قيل: نرزقهم من غير أن ينقص من رزقكم شيء فيعتريكم ما تخشونه وإياكم أيضًا رزقًا إلى رزقكم.
{إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} تعليل آخر ببيان أن المنهي عنه في نفسه منكر عظيم لما فيه من قطع التناسل وقطع النوع، والخطء كالإثم لفظًا ومعنى وفعلهما من باب علم. وقرأ أبو جعفر. وابن ذكوان عن عامر {خطأ} بفتح الخاء والطاء من غير مد، وخرج ذلك الزجاج على وجهين، الأول: أن يكون اسم مصدر من أخطأ يخطىء إذا لم يصب أي إن قتلهم كان غير صواب، والثاني: أن يكون لغة في الخطا عنى الإثم مثل مثل ومثل وحذر وحطر فمن استشكل هذه القراءة بأن الخطأ ما لم يتعمد وليس هذا محله فقد نادى على نفسه بقلة الإطلاع.
وقرأ ابن كثير {خطأ} بكسر الخاء وفتح الطاء والمد وخرج على وجهين أيضًا. الأول: أن يكون لغة في الخطء عنى الإثم مثل دبغ ودباغ ولبس ولباس. والثاني: أن يكون مصدر خاطأ يخاطىء خطاء مثل قاتل يقاتل قتالًا.
قال أبو علي الفارسي وإن كنا لم نجد خاطأ لكن وجد تخطأ مطاوعه فدلنا عليه وذلك في قولهم: تخطأت النبل أحشاءه، وأنشد محمد بن السوي في وصف كماءة كما في مجمع البيان:
وأشعث قد ناولته أحرش الفرى *** أدرت عليه المدجنات الهواضب
تخطأه القناص حتى وجدته *** وخرطومه في منقع الماء راسب
والمعنى على هذا إن قتلهم كان عدولًا عن الحق والصواب فقول أبي حاتم إن هذه القراءة غلط غلط.
وقرأ الحسن {خطاء} بفتح الخاء والطاء مع المد وهو اسم مصدر أخطىء كالعطاء اسم مصدر أعطى، وقرأ الزهري. وأبو رجاء {خطا} بكسر الخاء وفتح الطاء وألف في آخره مبدلة من الهمزة وليس من قصر الممدود لأنه ضرورة لا داعي إليه، وفي رواية عن ابن عامر أنه قرأ {خطا} كعصا.
{وَلاَ تَقْرَبُواْ الزنى} باشرة مباديه القريبة أو البعيدة فضلًا عن مباشرته، والنهي عن قربانه على خلاف ما سبق ولحق للمبالغة في النهي عن نفسه ولأن قربانه داع إلى مباشرته، وفسره الراغب بوطء المرأة من غير عقد شرعي، وجاء في المد والقصر وإذا مد يصح أن يكون مصدر المفاعلة، وتوسيط النهي عنه بين النهي عن قتل الأولاد والنهي عن قتل النفس المحرمة مطلقًا كما قال شيخ الإسلام باعتبار أنه قتل للأولاد لما أنه تضييع للأنساب فإن من لم يثبت نسبه ميت حكمًا.
{إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} فعلة ظاهرة القبح زائدته {وَسَاء سَبِيلًا} أي وبئس السبيل سبيلًا لما فيه من اختلال أمر الأنساب وهيجان الفتن، وقد روى الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يزنى الزاني حين يزنى وهو مؤمن» وجاء في غير رواية أنه إذا زنى الرجل خرج منه الإيمان فكان فوق رأسه كالظلة فإن تاب ونزع رجع إليه وهو من الكبائر، وفاحشة مطلقًا على ما أجمع عليه المحققون بل في الحديث الصحيح أنه بحليلة الجار من أكبر الكبائر، وزعم الحليمي أنه فاحشة إن كان بحليلة الجار أو بذات الرحم أو بأجنبية في شهر رمضان أو في البلد الحرام وكبيرة إن كان مع امرأة الأب أو حليلة الابن أو مع أجنبية على سبيل القهر والإكراه وإذا لم يوجب حدا يكون صغيرة، ولا يخفى رده وضعف مبناه، والآية ظاهرة في أنه فاحشة مطلقًا نعم أفحش أنواعه الزنا بحليلة الجار، وقال بعضهم: أعظم الزنا على الإطلاق الزنا بالمحارم فقد صحح الحاكم أنه صلى الله عليه وسلم قال: «من وقع على ذات محرم فاقتلوه» وزنا الثيب أقبح من زنا البكر بدليل اختلاف حديهما، وزنا الشيخ لكمال عقله أقبح من زنا الشاب، وزنا الحر والعالم لكمالهما أقبح من زنا القن والجاهل، وهل هو أكبر من اللواط أم لا؟ فيه خلاف وفي الأحياء أنه أكبر منه لأن الشهوة داعية إليه من الجانبين فيكثر وقوعه ويعظم الضرر، ومنه اختلاط الأنساب بكثرته، وقد يعارض بأن حده أغلظ بدليل قول مالك وآخرين برجم اللوطي ولو غير محصن بخلاف الزاني.
وقد يجاب بأن المفضول قد يكون فيه مزية، وفيه ما فيه، وبالغ بعضهم فقال: إنه مطلقًا يلي الشرك في الكبر، والأصح أن الذي يلي الشرك هو القتل ثم الزنا، وخبر الغيبة أشد من ثلاثين زنية في الإسلام الظاهر كما قال ابن حجر الهيثمي أنه لا أصل له، نعم روى الطبراني. والبيهقي. وغيرهما الغيبة أشد من الزنا إلا أن له ما يبين معناه وهو ما رواه ابن أبي الدنيا. وأبو الشيخ عن جابر. وأبي سعيد رضي الله تعالى عنهما إياكم والغيبة فإن الغيبة أشد من الزنا أن الرجل ليزنى فيتوب الله تعالى عليه وإن صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه فعلم منه أن أشدية الغيبة من الزنا ليست على الإطلاق بل من جهة أن التوب الباطنة المستوفية لجميع شروطها من الندم من حيث المعصية والإقلاع وعزم أن لا يعود مع عدم الغرغرة وطلوع الشمس من مغربها مكفرة لإثم الزنا جردها بخلاف الغيبة فإن التوبة وإن وجدت فيها هذه الشروط لا تكفرها بل لابد وأن ينضم إليها استحلال صاحبها مع عفو فكانت الغيبة أشد من هذه الحيثية لا مطلقًا فلا يعكر الحديث على الأصح، وعلم منه أيضًا أن الزنا لا يحتاج في التوبة منه إلى استحلال وهو ما صرح به غير واحد من المحققين وهو مع ذلك من الحقوق المتعلقة بالآدمي كيف لا وهو من الجناية على الإعراض والأنساب، ومعنى قولهم إن الزنا لا يتعلق به حق آدمي أي من المال ونحوه وعدم اشتراط الاستحلال لا يدل على أنه ليس من الحقوق المتعلقة بالآدمي مطلقًا، وإنما لم يشترط الاستحلال لما يترتب على ذكره من زيادة العار والظن الغالب بأن نحو الزوج أو القريب إذا ذكر له ذلك يبادر إلى قتل الزاني أو المزني بها أو إلى قتلهما معًا ومع ما ذكر كيف يمكن القول باشتراطه، وقد صرح بنحو ذلك حجة الإسلام الغزالي في منهاج العابدين فقال في ضمن تفصيل قال الأذرعي: إنه في غاية الحسن والتحقيق أما الذنب في الحرم فإن خنته في أهله وولده فلا وجه للاستحلال والإظهار لأنه يولد فتنة وغيظًا بل تتضرع إلى الله سبحانه ليرضيه عنك ويجعل له خيرًا كثيرًا في مقابلته فإن أمنت الفتنة والهيج وهو نادر فتستحل منه، وقد ق الأذرعي في مواضع في الحسد والتوبة منه: ويشبه أن يحرم الإخبار به إذا غلب على ظنه أن لا يحلله وأنه يتولد منه عداوة وحقد وأذى للمخبر، ثم قال: ويجوز أن ينظر إلى المحسود فإن كان حسن الخلق بحيث يظن أنه يحلله تعين أخباره ليخرج من ظلامته بيقين وإن غلب على ظنه أن إخباره يجر شرًا وعداوة حرم إخباره قطعًا وإن تردد فالظاهر ما ذكره النووي من عدم الوجوب والاستحباب فإن النفس الزكية نادرة ورا جر ذلك شرًا وعداوة وإن حلله بلسانه اه، فإذا كان هذا في الحسد مع سهولته عند أكثر الناس وعدم مبالاتهم به ون ثم أطلق النووي عدم الإخبار فقال: المختار بل الصواب أنه لا يجب إخبار المحسود بل لا يستحب ولو قيل يكره لم يبعد فما بالك في الزنا المستلزم أن الزوج والقريب يقتل فيه جرد التوهم فكيف مع التحقق ويعلم من الأخبار أن ثمرات الزنا قبيحة منها أنه يورد النار والعذاب الشديد وأنه يورث الفقر وذهاب البهاء وقصد العمر وأنه يؤخذ ثله من ذرية الزاني، ولما قيل لبعض الملوك ذلك أراد تجربته بابنة له وكانت غاية في الحسن فأنزلها مع امرأة وأمرها أن لا تمنع أحدًا أراد التعرض لها بأي شيء شاء وأمرها بكشف وجهها فطافت بها في الأسواق فما مرت على أحد إلا وأطرق حياء وخجلًا منها فلما طافت بها المدينة كلها ولم يمد أحد نظره إليها رجعت بها إلى دار الملك فلما أرادت الدخول أمسكها إنسان وقبلها ثم ذهب عنها فادخلتها على الملك وذكرت له القصة فسجد شكرًا وقال: الحمد لله تعالى ما وقع مني في عمري قط إلا قبلة وقد قوصصت بها نسأل الله سبحانه أن يعصمنا وذراينا ومن ينسب إلينا من الفواحش ما ظهر منها وما بطن بحرمة النبي صلى الله عليه وسلم.
وقرأ أبي بن كعب كما أخرجه عنه ابن مردويه {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزنى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاء سَبِيلًا إِلاَّ مَن تَابَ فَإِنَّ الله كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا} فذكر لعمر رضي الله تعالى عنه فأتاه فسأله فقال أخذتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لك عمل إلا الصفق بالنقيع وهذا إن صح كان قبل العرضة الأخيرة.

6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13